يقول: (ولا يجوز لولي الله أن يعتمد على ما يلقى في قلبه بمجرد أن يلقى إليه؛ إلا أن يكون موافقاً، ولا على ما يقع له مما يراه إلهاماً، ومحادثة، وخطاباً من الحق) وهذه مشكلة الصوفية ، ومن ضل في هذا الباب؛ وهم كثير، فيقع في قلبه أمر من الأمور، أو يحدَّث بشيء في نفسه، أو يسمع هاتفاً بأذنه، فيظن أن الله كلمه، أو أنه ملك أمره الله أن يكلمه، ويقول له: هذا حلال، وهذا حرام، وهذا الرجل منافق وإن أظهر الإيمان، وهذا الرجل مؤمن وإن كان ظاهره الكفر مثلاً، فيعمل بذلك، ويبني عليه أن هذا هو الحق، وأن الله خاطبني به، كما لو كان قرآناً أو سنة، وهذا مشهور عند الصوفية ، ومن ذلك كتاب المخاطبات ، وهو كتاب مطبوعة متداول لـعبد الجبار النفري ، فإذا قرأت هذا الكتاب فإنك تشعر وكأنه مجموعة من الأحاديث القدسية ولكنها ليست مسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو نفسه يقول: قال لي الحق، وخاطبني الحق، وأوقفني الحق وقال لي! فهذا كليم جديد للرحمن تبارك وتعالى!
فهكذا يعتقد هؤلاء الصوفية أنهم يمكن أن يكلَّموا، فيأتون بكلام طويل هو من كلامهم، وإذا قرأت الكلام فإنك تجد فيه آثار علومهم، فإذا كان هذا الرجل ممن تعلم وتفقه فإنك تجد فقهه ظاهر في هذا الكلام، وإن كان قد أخذ الطريقة عن شيخ معين، أو أذكار معينة فإنك تجد آثار علمه وذكره في هذا.. وهكذا؛ لأنه من كلامه نفسه، ومن شيطانه، وليس خارجاً عن ذلك، فهو يلقى إليه هذا الكلام، أو يجده في نفسه، أو يؤلفه، فيقول: خاطبني الحق، وألهمني الله بذلك، وهذا مزلق عظيم، وهو الذي جعل غيرهم يدعي النبوة، وجعل غيرهم يترقى فيدعي الربوبية ولكن بشكل مغلف، كما قال أصحاب وحدة الوجود والعياذ بالله.
فلا يجوز للولي أن يعتمد على شيء من ذلك، وإنما الواجب عليه كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: (بل يجب عليه أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فإن وافقه قبله، وإن خالفه لم يقبله، وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف؟ توقف فيه) ولا يعتمد على مجرد ما يلقى إليه.